2010/05/15

الهبة والوصية بين المشروعية والتحايل على شرع الله
كتبت شيماء عبد الرحمن الدبيكي
فى كل يوم تشرق شمسه علينا نرى فى الحياة كل عجيب, فالبشر هم العجب العجاب بهذا الزمان بطباعهم التي باتت مستغربة وأخلاقهم التي خالفت المألوف وابتعدت عن الفطر السليمة إلا من رحم ربى .
أنا لا أنكر أن سوء الخلق قد نال قدره من أخلاق البشر كما حسن الخلق وذلك منذ بداية الخلق, إلا أن زماننا هذا قد طغى وغلب كل زمان حتى صار سوء الخلق صورة مستترة تبدو حسنا فى ظاهرها , فطمست المفاهيم وتغيرت الأسماء وصار الخطأ صوابا باسم العادات والأخلاق والقيم وحتى الشرع والدين؛ لأن هذه المسلمات لم تعد مسلمات وإنما صارت قياسا تبعا للأهواء والمصالح والسياسات, ففقد كل شيء معناه وقيمته فى هذه الحياة إلا بقية من ضمير تتمثل فى من رحم ربنا من أناس لازالوا على الحق قابضين عليه فى زمان يكون القابض فيه على الحق كالقابض على الجمر, لا يضرهم من ضل إذا اهتدوا .
ربما ابتعدت بكلماتي عن مضمون ما وددت التحدث عنه إلا أنها زفرة لم تطق إلا أن تخرج رغما عنى.
حديثي ها هنا ينصب فى قالب التحايل على المفاهيم والأحكام الشرعية بصورة ترسم الخطأ بهيئة الصواب إلا أنها لا تخفى على ذوى, العلم وأتحدث هنا عن قضية الإرث التي هي مسألة لا يخل بيت ولا فرد من المرور بها وهى من القضايا الشائكة  التي كثيرا ما تصنع خلافات كبيرة بين ذوى النفوس الضعيفة والقلوب المريضة قد تصل للسب والقذف وتقطيع الأرحام, وربما للاعتداء بالضرب وحتى القتل.
لقد نظم الشرع قضية الميراث وسن لها أحكاما وضوابط شاملة كاملة لن أخوض فى تفاصيلها, ولكنني سأتحدث عن تحايل كثير من البشر عليها, فكثير منهم يفضل أن يقسم أملاكه حيا ظنا منه انه بهذا يقطع السبيل على أبناءه كي لا يختلفوا بعد مماته , وآخر يعطى أبناء ويحرم آخرين, و ثالث يكتب لبناته حتى لا يشاركهم أعمامهم أو غيرهم من الورثة  فى تركته, وهكذا صور شتى لعمل مضمونه واحد ؛ وهو التحايل على الشرع وتعطيل حكم الله فى هذه القضية.
هناك مفاهيم لا بد أن يعيها الجميع فى هذه القضية أولها: أن الإرث لا يكون إرثا إلا بعد موت صاحبه وليس له فى تقسيمه شأن لأنه لا بد وأن يقسم تبعا للشرع, أما ما يوزعه الشخص فى حياته فهو هبة أو عطية وهذه لها شأن آخر .
الفرق بين الهبة والوصية
الهبة هو ما يهبه الشخص لأحد فى حياته, ومن المفهوم لدى العامة أنه لابد من  العدل فى الهبة بين الأبناء, إلا أن الدكتور على السالوس النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا والخبيــــر بمجمع الفقه الإسلامي الدولي  قال فى إحدى حلقات برنامجه خزائن الأرض " لا يوزع الميراث لأن الميراث لا يكون إلا بعد الوفاة أما لو أعطى فى حياته فهذه عطية وفى العطية يمكن أن يساو أو لا يساو بحسب ما يرى" ويوضح فضيلته بمثال  أن الأب يمكن أن يجد بنتا لها ظروف خاصة تحتاج إلى مساعدة أكثر من الابن فيعطيها أكثر من الابن "ويضيف فضيلته أن هذا يكون فى حياته .

 ونشير هنا إلى  أن الهبة قد تكون لأحد الأبناء أو جميعهم أو لغيرهم ممن يرث أو لا يرث تسلم لهم وينتفعون بها فى حياة  الواهب
أما الوصية فهي ما يوصى به الشخص لأحد بشيء فى حياته يُستحق  بعد موته و لا وصية لوارث .
أي أن ما يفعله البعض من كتابة ممتلكاتهم لأبنائهم فى حياتهم بينما لا يستفيدون بها إلا بعد وفاتهم لا يعد إرثا لأن الميراث لا يكون إلا بعد الوفاة كما شرع الله ولا وصية لأن الأبناء ورثة ولا وصية لوارث ولا يعد كذلك هبة لأن الأبناء لا يستفيدون بها فى حياة أبيهم.
ومن هنا يتضح أن هذا الفعل ما  هو إلا مخالفة للشرع وتحايل عليه لا يليق بمسلم حتى لو كانت غايته درء الخلاف الذى قد يحدث لاحقا بعد وفاته فضلا عن الجور بتمييز البعض أو حرمان البعض الآخر كل هذا مخالف للشرع فما من أحد على وجه الأرض احكم من حكم الله جل وعلى العزيز الحكيم .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق